السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أسألك عن شيء حيرني كثيرا منذ سنوات، فأنا طالب مغربي تخصص معلومات.
من خلال تجربتي الخاصة لاحظت أن الأغلبية الساحقة من الطلبة يكتمون علمهم، وأنا شخصيا فعلت ذلك مرارا وتكرارا، وذالك من باب المنافسة.
وأنا مقتنع على أنه يجب علي أن أكتم بعض العلم الذي أحصله بمجهودي الخاص على الآخرين، وذالك حتى الوقت المناسب لكي أتفوق.
مع العلم أن كل من حولي، إما يكتمون كل شيء يعرفونه في مجال المعلومات، وإما ينشرون شيئا منه، وفي أغلب الأوقات لأصدقائهم فقط.
فبصراحة أنا لا أستطيع تحمل أن أعلم - علم دين أو دنيا - ثم لا أعلمه، وهناك بعض الطلبة الذين يصرون على التكتم على معارفهم إلى درجة عجيبة، وهم يطمعون في معارفي، ويمكن أن أقول أنهم يحسدونني.
مع العلم أنني سريع الإصابة بالعين، وهذا أيضا من أسباب كتماني على شيء من معارفي، وأعتقد أن مشاركة الآخرين بكل ما نعرف (وأقصد علوم الدنيا خاصة المعلومات) غير إيجابي البتة؛ لأنهم يزيدون عليه ويحتفظون به لأنفسهم، وأصدقائهم فقط، مما سيمكنهم من تحصيل نقاط مرتفعة، وذلك يفقد الشخص هيبته، وقيمته في القسم، وفي عين الأساتذة.
فكيف السبيل أن أرضي الله بما أفعل بعلمي؟ لكي لا ألجم بلجام من نار مع التفوق في دراستي؟
وكيف أعامل من يكتمون بشكل ظاهر لا شك فيه على معارفهم؟
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نشكر لك أبننا الكريم تواصلك مع موقعك، ونهنئك على هذا التفوق والتوفيق من الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يديم عليك فضله ونعمه، وأرجو أن يعلم أبنائي الكرام، وتعلم أنت ابني الكريم بأن العلم يزكو بالإنفاق.
فالعلم لا ينقص ببذله، وما من إنسان يبذل هذا العلم إلا عوضه تعالى، وفتح عليه، بخلاف الذي يكتم العلم، فإن هذا العلم يفقد بكتمانه، فالعلم يزكو بالإنفاق، ونحن لن ننتفع وحسب تجربتنا وحسب وما تعلمناه من مشايخنا إلا ببذلنا لما تعلمناه، وحرصنا على أن نعلم هذا للآخرين.
فالإنسان يبذل علمه، ويبذل معارفه، وهذا باب من أبواب التوفيق والخير، كما أن سلامة الصدر والرغبة في نجاح جميع الناس، وإرادة الخير لهم، هذا مفتاح عظيم جدًا من مفاتيح التفوق والنجاح، فإن الإنسان يعطى على قدر نيته.
فما من إنسان يحب الخير لإخوانه، وينوي الخير لإخوانه، ويقدم الخير لإخوانه إلا كان العظيم في حاجته، فإن من كان في حاجة أخيه كان الله تعالى في حاجته، العظيم سبحانه وتعالى يكون في حاجة من يخدم الناس، ويقدم لهم المعارف.
فإذا كتم الآخرون ما عندهم من علم، فلا تكتم ما وهبك الله من معرفة، خاصة إذا سئلت وإذا طلب الناس منك أن تخبرهم، أو تعلمهم، أو تشرح لهم، وكان عندك فرصة لذلك، وكان هناك إمكانية في أن تقوم بذلك، فلا تتردد في نفع إخوانك، ومن أستطاع أن ينفع إخوانه فليفعل، وبذلك تربح وتفوز بحول الله وقوته وبفضله ومنه وكرمه.
لذلك نحن نتمنى أن تواظب على هذا الخير، وتحرص على أن تمنح ما عندك من معارف للآخرين، وتعلمهم، وكن على ثقة ويقين إن الله تعالى سوف يبارك لك في علمك، والقضية ليس بكثرة المعلومات فقط.
ولكن لابد قبل ذلك، وبعد ذلك من توفيق رب الأرض والسماوات، فكم من طالب يذاكر ويحفظ، ولكن لضعف توكله، ولقلة الخير الذي فيه، ولأنه يمنع الخير من عباد الله، فقد يمنع الخير، ويمنع النجاح، ويحال بينه وبين التوفيق والسداد.
إذا قصد الآخرون شرًا، وكتم العلم حسدًا وبغيًا فلا تكن أنت منهم، وعش في هذه الدنيا سليم الصدر.
وأعلم أن الإنسان لا ينال إلا ما قدر له، وإلا ما كتبه الله له، وإن الإنسان يمكن أن يكسب ذنوبا، لكنه لا يمكن أن يغير ما قدره الله تعالى له، ولذلك كن واثقًا من نفسك بحول الله بعد ثقتك بالله، ثم أبذل ما عندك من معارف.
ولا مانع أيضا من يكتم الإنسان بعض النعم خاصة إذا كان مع من يحسدونه، لا مانع من كتمان بعض النعم، فالتوازن في ذلك مطلوب، الإنسان يقضي حوائجه بالكتمان، ويحسن إلى إخوانه جميعًا، ويجتهد في النصح لهم، وفي بيان ما يستطيع لهم، لكن ليس من الضروري أن أتكلم بكل النعم، لكن إذا سئلت، وعندك علم والناس في جهل وبحاجة، فلا يجوز أن تكتم هذا العلم الذي وهبك الله تعالى.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وإذا كان هناك من يكتم كما قلت العلم، فلا تكن أنت منهم، وكن أنت الأفضل حتى تفوز بالأجر والثواب عند الله تعالى، ومعلوم إن الإنسان إذا بذل العلم، فإن هذا أحسن أنواع المذاكرة، أن يعلم الآخرين، وأن يعيد شرح الدرس لزملائه، وأن يبين لهم الأشياء الغامضة، وقد جربنا هذا.
والإنسان عندما يدرس الآخرين، ويعلمهم وينقل هذه المعارف، فإنها تترسخ ويبارك الله تعالى فيها، إذا كان الإنسان عنده معلومة يستطيع أن يقولها في خمسة دقائق، فإذا شرحها اليوم، وشرح غدًا للطلاب.
فيشعر أنه يستطيع الآن أن يتكلم عشرة دقائق، فإذا واصل في تعليمه ونشرها سوف يشعر أنه يستطيع أن يتكلم عن هذه القضية خمسة عشر دقيقة، وهكذا يمضى الإنسان يلاحظ أن هنالك بركة واضحة، وزيادة مشهودة على معلوماته، ورسوخ تلك المعلومات؛ لأنه عاد شرحها.
من هنا كان حرص علماء السلف على مسألة المدارسة، مسألة المناقشات العلمية، ومسألة تدريس الناس، حتى كان الإمام الزهري كان يأتي الجارية فيقرأ لها حدثنا فلان عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن ذلك، ثم يقول أنا أعرف أنك لا تفهمين أو ليس لك شأن بهذا.
ولكن أردت أن أذاكر العلم، فالإنسان قد يذاكر المعلومات بأن يطرحها على الآخرين، فيختبر حفظه، ويختبر قدرته على الفهم، وقدرته على الشرح، وهو أول من ينتفع بذلك، نسأل الله تعالى أن ينفع بك البلاد والعباد.
ووصيتنا لك بتقوى الله، وبكثرة اللجوء إلى الله، وصيتنا لك بتجنب المعاصي؛ فإن المعاصي تزيل النعم، وكما قال الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي***فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال أعلم بأن العلم نور *** ونور الله لا يهدى لعاصي
قال ابن مسعود كنا نحدث أن الخطيئة تنسي العلم، فكن على الطاعة، وتوكل على الله، وأبذل أسباب النجاح.
ونسأل الله لك التوفيق الفلاح.
الكاتب: د. أحمد الفرجابي
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية